الأربعاء، 1 أغسطس 2012

مفاهيم في الشرعية السياسية .. معناها .. إسقاطها .. و بناؤها ج١

مفاهيم في الشرعية السياسية .. معناها .. إسقاطها .. و بناؤها ج١
’’ لكي تحكم بنجاح عليك أن تفهم البشر و ما يرغبون فيه و ما يرغبون عنه في دواخلهم .. و كيما تضبط البشر من الداخل عليك أن تتخيلهم من الداخل أيضا ! ’’
يقوم النظام في سورية بلعبة توازنات و ايديولوجيات و مصالح معقدة و متشابكة و مستفيدة من ما يحدث على أرض الواقع بدقة شديدة .. هذا النوع من التعقيد يمنح النظام مصادر شرعية متعددة ليست وسيلته الوحيدة آلته الاستبدادية فقط ! ، "إن أي دعم لأي قضية يقوم على مصدر شرعية" .. حتى داعموا قضية الثورة هم يدعمونها من خلال مصادر شرعية معينة .. قد تمثل الضمير الإنساني لبعضهم أو معظمهم .. و قتال الظالمين للبعض الآخر .. و قتال العلويين أو الشيعة للبعض الآخر .. أو مصلحة متعينة أو أمل موعود، حينما تخبر شخصا على سبيل المثال ان هذه ليست ثورة لدفع الظلم و انما لايقاع ظلم شبيه على فئة أخرى فهنا سيفقد مصدر شرعيته بالنسبة لمن دعم الثورة لدفع الظلم و هكذا أيضا لو اقتنع شخص آخر أن هذه ثورة لبناء دولة علمانية على سبيل المثال لفقدت شرعيتها بالنسبة للإسلامي و لو كانت لبناء دولة إسلامية لفقدت شرعيتها بالنسبة للعلماني و هكذا ، المثال السابق بسيط في الواقع لأنه يذكر أن مصدر الشرعية واحد و ليس متعدد و متداخل كما هو فعلا حيث يستحيل تخيل نظام يقوم على مصدر واحد للشرعية ، بالعودة الى مصادر شرعية النظام "فتفكيك هذه المصادر يعني بالضرورة تفكيك القاعدة الشعبية المؤيدة المرتبطة بهذا النظام من خلال هذا المصدر" و هو لا يهدف إلى إنهاء حالة التأييد له حيث يبقى ذلك مستحيلا نظريا و تطبيقيا .. و انما خلخلته للمساعدة في إسقاطه أولا و تقليل التكلفة ثانيا و الاستعداد لمرحلة ما بعد اسقاط النظام ثالثا ، عموما فقد قامت الثورة و لله الحمد بتفكيك جزء لا بأس به من هذه المبادئ مما خلخل قاعدة النظام و زاد من قاعدتها الشعبية خلال عام و نصف من الثورة ، و لكن الكلام هنا تحليلي لطبيعة النظام بالدرجة الأولى مما قد لا يعني بالضرورة ظروف المرحلة .
ينبغي توضيح نقطة أخرى في هذا السياق حيث أن هناك ثلاث قواعد شعبية في كل ثورة : قاعدة شعبية مؤيدة للنظام .. قاعدة شعبية مؤيدة للثورة .. قاعدة شعبية تختار الحياد لأسباب شتى ، ينبغي هنا العمل على ثلاثة محاور :
١-توسيع القاعدة الشعبية المؤيدة للثورة .. ٢-تقليص القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام .. ٣-تحويل القاعدة السلبية المحايدة إلى قاعدة إيجابية ، تبدو هنا مهمة النظام أسهل حيث يسعى إلى إبقاء حالة الحياد لغير مناصريه في حين يحرص الثوار دائما على العمل عليهم لنقلهم للخانة الإيجابية .
من هنا يتضح أيضا أن القاعدة الشعبية ليست ثابتة بل متغيرة فقد ينجح أحد طرفي الصراع بتفكيك جزء من تلك القاعدة و قد يبني مصدر شرعية جديد يمنحه قاعدة جديدة مرتبطة بذلك المصدر .
الثورة أصلا تعرف بأنها تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة ، او خارج الشرعية ،يتمثل هدفه في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة .. لذلك في الثورة يتم استبدال الشرعية القديمة القائمة بشرعية جديدة ، سقوط القديمة ضروري إذن في هذا التعريف بل ربما يبدو أقرب ما يكون للشرط . و محاكمة الثورة ضمن شرعية النظام القديم الذي قامت عليه الثورة بالأساس يبدو شيئا أقرب للامعقول .
الشرعية هنا سياسية و هي بحسب تعبير ماكس فيبر: ( قدرة السلطة السياسية على اكتساب الاعتراف بها و على النظر إليها بوصفها المعبرة عن المصالح الفورية و المباشرة أو البعيدة للجماعة ) .. إسقاط هذا الاعتراف و هذه النظرة يعني تلقائيا اسقاط الشرعية و يعني بالضرورة اسقاط النظام و اسقاط أحقية الدولة و المذكور في تعريف فيبر الشهير الآخر في كونها الوحيدة المخولة لاستخدام العنف .
يقول أمين معلوف : " الشرعية هي ما يتيح للشعوب و للأفراد أن يقبلوا دون مبالغة في الإكراه سلطة مؤسسة ما يجسدها أشخاص و تعتبر حاملة لقيم مشتركة .. بعض الشرعيات أكثر استقرارا من غيرها لكن ليس بينها واحدة غير قابلة للتبدل ، و يمكن لصاحبها أن يستزيد منها أو يخسر تبعا لحنكته أو للظروف ،،، بالاضافة الى ان بقاء الشرعية مرهون بنجاحاتها .. حينما تصبح شرعية ما إلى وقت لا تعود فيه قادرة على الفعل حينذاك يحل حكم محل آخر و تحل شرعية جديدة محل تلك التي أفل نجمها "
نعود لموضوعنا : بالمقارنة مثلا مع الجار العراقي صدام فإن الأخير لم يكن يتبع استراتيجية التوازن كما كان يفعل عدوه اللدود حافظ الأسد .. كان صدام يعتمد على المال الوفير الذي توفره عائدات النفط مدعوما بقوة تعسفية عند اللزوم بينما كان حافظ يسير أمور نظامه بتكتيكات غاية في الخبث و تنازلات متناوبة بشعار معروف بسياسته "أذعن قدر اللزوم ، و أصر قدر الإمكان" ! و يمكن تلخيص مصادر الشرعية للنظام السوري على النحو التالي : ...
على هذا الأساس التنظيري المبسط للشرعية سننهي الجزء الأول .. الجزء الثاني سيتحدث عن مصادر شرعية النظام في سوريا و عن وسائل تفكيك هذه الشرعية بشكل أكثر توسعا .. الجزء الثالث سيتحدث عن بناء الشرعية الجديدة في سوريا المستقبل و هو ربما ما سيكون الجزء الأكثر صعوبة ! كتابة و تطبيقا !.
١/٨/٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق